على مدى قرنين كان الوطن العربي في مخاض فكري هائل، حيث فتح الاصطدام بأوروبا على مفارقة كبيرة تمثلت في انتقال العالم إلى مرحلة أخرى لم يكن الوعي السائد في الوطن العربي يستوعب أبعادها. فقد كان "الفكر" هو مجرد ثقافة "شعبية"، "عامية"، تتأسس على المعرفة بالنص القرآني، وببعض قواعد اللغة العربية، وكثير من الأساطير التي كانت تربط بالدين. تدرس من خلال "الكتاتيب" التي هي ملحقة بالجامع، ويمارسها الشيوخ الذين لا يمتلكون من المعرفة أكثر مما يدرسون في الغالب. أما أوروبا فقد كانت في عالم آخر، حيث تطورت العلوم، وانتشر الفكر بمعناه الحديث، وأصبح التعليم متطوراً يشمل مختلف العلوم الطبيعية والإنسانية. وكان هذا الوضع قد أوصل إلى نشوء الصناعة التي أدت إلى انقلاب هائل في مسار التاريخ البشري، من حيث الدفع بالعلم خطوات أخرى إلى الأمام، وفي السعي لتكوين دولة ومؤسسات...