لم يثر أي فيلسوف على مر تاريخ الفكر الفلسفي ما أثاره ابن رشد من دوي : فما أكثر ما مجد بعد وفاته ، وما أكثر ما هوجم ، وكفر ابن رشد رسميا في حياته وبعد مماته ، في حياته من جانب علماء الكلام المسامين وبعد وفاته من جانب الكنيسة ورجالها . وكأنما كان على ابن رشد ، حامل لواء العقلانية في العصور الوسطى ، أن يتحمل وحده كل الهجوم الذي يثيره دائما هذا الاتجاه في اي عصر يضع العقيدة الدينية في المرتبة الأولى ، ويجعل دور العقل في خدمة تلك العقيدة والدفاع عنها . ولم يكن ابن رشد ، في حقيقة الأمر كما بينا ، ملحدا كما صوره الكثيرون ، بل كان فحسب صاحب عقلية تلتزم دائما بالمنطق وتطالب بحقها في اخضاع كل شيء ، باستثناء بعض العقائد الدينية ، لحكم العقل. وكان في استطاعة العصور الوسطى المسيحية أن تتجاهله تماما ، لولا أنه كان أعظم شراح ارسطو ذلك الفيلسوف الذي أقبلت عليه...