تظهر إرادةُ الحقيقة لا كقناعٍ لإرادة القوة، إنما كخلعٍ عنيفٍ للأقنعة، وككشفٍ سافر، وفعلٍ جريء لإسقاط الشرعية عن جوهر النفاق – ألم يكن ذلك درةَ التّاج في مشروع نيتشه الفذ والمتفرد؟ أليست إرادة الحقيقة عنده )لا إرادة القوة) هي التي وقفت وراء فعل تعريته الكبير لفصولٍ طويلة من ظاهرةٍ متجذرةٍ في الفعل الإنساني، هي إرادة القوة؟ – لقد هزّ نيتشه صرحَ النّفاق من سقراط إلى كانط. مع ذلك، وضع أسساً خطيرة تشرعن قوةً هوجاء، منفلتةً من كلّ رادعٍ، إلا من تجميل نفسها بقناع الحقيقةِ الذي دأب نيتشه نفسُه أن يمزّقه إربًا إربًا. وطالما إرادةُ القوةِ بمنظوره هي الجوهر الأساسي للوجود، فلماذا يدأبُ صاحبُها )أصحابُها( على مرّ العصور في تغطيتها بقناعٍ نقيض؟ أليس هذا الأمر دليلًا قاطعًا على أن الإنسان المنجرف بأمواج إرادة القوة يعي أن إرادةَ الحقيقة هي بوصلةُ الغريق والخائف...