يكشف تفكيكُ الخطاب التاريخيّ الرسميّ عمّا قام به المؤرّخون من إعادة تشكيل لزعامات نسائيّة عرفها الإسلام المبكّر، هدفهم في ذلك خدمةُ القيم التي يدافعون عنها وصياغةُ مفهومٍ للزعامة يختزل تصوّرَهم للسلطة. من هنا يكتسي البحثُ في هذا المفهوم وفي هذه الفترة بالذات، كلَّ أهمّيّته. فهو السبيل إلى معرفة المعايير التي اعتُمِدت في توزيع الأدوار، وفي صدارتها المعيار الجنسويّ الذي قبع في زوايا التهميش والنسيان رغم تحكّمه العميق في عمليّات إنتاج المعنى في الخطاب العالِم. لقد كان منتجو هذا الخطاب -على اختلاف انتماءاتهم المذهبيّة- ذوي خلفيّة ذكوريّة تحرِصُ على احتكار السلطة، وتحصِرُ مفهوم "المرأة النموذجيّة" في ملازمة الخدور، شعارُهم في ذلك "ما أفلح قومٌ ولّوْا أمرَهم امرأة". لكن ظهرت المعاني التي سعوا إلى حجْبِها، في الخطابات التاريخيّة "الشعبيّة" غيرِ الخاضعة لضوابط الثقافة الرسميّة.