إذا كان الغرب هو الذي أعاد اكتشاف ابن خلدون في العصر الحديث كمؤسس لعلم الاجتماع والسياسة والتاريخ، فإن الباحثين الشرقيين اليوم يجدون في ابن خلدون كنزاً لا ينضب لتأملاتهم وتحليلاتهم حول التاريخ والحضارة والاجتماع البشري… الخ. إن مؤلفة هذا الكتاب تنظر إلى فكر ابن خلدون من زاوية عصرية أي من خلال مفاهيم عصرية دون أن يعني هذا تشويه فكر ابن خلدون وانتزاعه من سياقه التاريخي، ذلك لأنها ترى في طريقة النظر هذه الوسيلة الوحيدة للكشف عن تراثه الحقيقي. وترى المؤلفة أن ابن خلدون قد أعطانا بعض المفاهيم العبقرية التي سبق بها عصره، بحيث جعلته مبشِّراً لكثير من مفكري العصر الحديث، فقد طبّق مبدأ العلية على الدراسات الاجتماعية قبل مونتسكيو بأربعة قرون، وأبرز ـ قبل بودان ـ تأثير البيئة الطبيعية والمناخ على عادات وتقاليد الشعوب وعلى تقدمها الاقتصادي والفكري، وتوصل قبل تادر الفرنسي إلى القول بقانون التقليد، كما أنه قارب نظرية القيمة قبل ماركس بخمسة قرون.