منذ زمن بعيد اقترن العقل والحضارة معاً، كما لو كانا الوسيلة والغاية لما صار يدعى حديثاً "التقدم". غير أن هذه الأفكار فقدت جزءاً كبيراً من صدقيتها في إثر انقشاع الأوهام خلال القرن الأخير على الرغم من بعض فترات التفاؤل القصيرة: فحالة العالم الراهنة، بتناقضاتها الصارخة بين الثراء والآلام، تكفي لإثارة الشكوك بأن الحضارة العقلانية جلبت الخير للإنسانية. غير أن المعضلة تكمن في أنه ليس ثمة بديل حقاً لهذا المشروع، لأن أولئك الذين يمجدون الليبرالية الاقتصادية والسياسة، وأولئك الذين يدينونها يفعلون ذلك باسم تصور معين للحضارة العقلانية. والواقع أن هذه المعاينة هي التي جعلت من الملح بناء تفكير حول الحاسة الأخلاقية للحضارة ضمن شروط العالم الاجتماعي المعاصر، شروط عصر ليبرالي جديد متميز بالمنافسات الضارية. ولكنه متميز أيضاً بإبداعية فائقة، وبانعتاق منقطع النظير...