عاش الشِّعْر الفلسطيني زمناً اتَّضحت فيه الفكرةُ ونضجت الرؤيةُ وصَفَتِ العبارة، واختار الفلسطينيُّون - شعباً وقيادةً - أن يستأمِنوا شعراءهم على ذلك كلِّه. وفعلاً، هَجَسَ هؤلاء بما في ضمير شعبهم، فتعلَّق بهم، ومعه جمهور الشِّعْر العربي، وتوَّجُوهُم شعراءَ قضيةٍ وأمراءَ كلام. ثمَّ هَلَّ جيلٌ لاحقٌ بأصوات غدَتْ نبرتُها أكثر خفوتاً، فعكفوا على بلورة تجاربهم الخاصَّة بإصرارٍ هادئٍ على تحرير فلسطين من البلاغة أوَّلاً، ما دام تحريرُها من الاحتلال أمراً صعب المنال.
شعراء هذه الأنطولوجيا يكتبون بلا أوهام. هكذا ببساطة، ودون أن يدَّعوا الانخراط في مشاريع كبرى. حتَّى صورة الشاعر لا تُغريهم، كما أنّ لقب «الشاعر» لن يُفعِمَهم بالزَّهْو في فضاءات عيشهم الواقعية منها والافتراضية على حَدٍّ سواء.