إن أهم إشكاليات الحقبة الليبرالية التي وصفت بـ"النهضة" هي في تنافي التيارين الإسلامي-الإصلاحي والراديكالي-الليبرالي، والذي كانت النهضة ضحيته. والمطلوب كان تجاوز هذا التنافي إلى فلسفة نهضوية تعين القيم العربية والإسلامية المميزة لشخصيتنا الحضارية، وتستكمل بنسيج ثقافي عالمي يحال حول نواتها الصلبة. إن أهل الحداثة السلفية أو غرباء الحداثة، وبأكثريتهم المتماهية مع الخارج والمتغايرة مع الإسلام، قد أسهموا في إحباط مشروع الأفغاني-محمد عبده الاجتهادي وفي تغييب لوثر العربي. وأزعم أيضاً أن الليبراليين المسيحيين المتوجسين من مخاطر الرابطة الإسلامية وظاهرة الخلافة أخطأوا في السجال الضدي مع هذا المشروع (كما فعل أنطون في سجاله ضد الإمام محمد عبده)... وأخطأوا في قطعهم مع الموروث الثقافي الإسلامي، ولم يدركوا طوباويتهم الفكرانية الماثلة في مشروع إصلاح مصر والعالم الإسلامي بفكر جاهز مكتمل يدقون به أبواب هذا العالم فلا يجدون إلا أبواباً موصدة.