اتصل بي في أحد صباحات آذار، ليقول لي إنّه في بيروت لأيامٍ قليلة، وإنّه يرغب في رؤيتي وإن لدقائق فقط، قبل عودته إلى الكويت. حاولت جهدي أن أتصدّى لرعونة طلبه، وأن أبعد عنّي وساوس شياطينه، ولكن وجدتني أكثر رعونةً منه، واستسلمت لذلك الصوت الداخليّ الذي كان يهمس لي بأن أذهب، وأن أستمتع بصحبته. ذهبت إليه وأنا أحاول أن أحوط نفسي بالكثير من سترات النجاة، في تلك الرحلة التي كانت الأخطر في حياتي على الإطلاق. كنّا قد اتفقنا على لقاءٍ خاطف في مكانٍ عامّ. في الطريق، عاودتني صورتي عندما ذهبت لألتقيه أوّل مرّة في "باي روك"، كم كنت بريئةً حينها، وكم اختلفت عليّ ندى منذ ذلك اليوم! كان ينتظرني بلهفةٍ أغرقت وجهه بسحبٍ من الفرح والبهجة. ما إن وصلتُ إليه حتى وقف من مكانه ليصافحني بدفء، فاستشعرت حرارة قلبه في يدي، وتعالت في داخلي أصوات الذكريات. اكتشفتُ يومها أنّه لم يكن في الوجود ما هو أجمل من عيني ماجد. واستغربت أن أكون نسيتهما في يومٍ من الأيّام. كانت خطوط الشيب قد بدأت تزحف على شعره الأسود الكثيف، فيما راحت لحيته الخفيفة ترسم الكثير من الوقار على ملامحه التي نضجت كثيرًا، وازدادت وسامةً وسحرًا.