راحت تتذكّر كيف كانت (...) تُعنى بشكلها وهندامها، وتتحضّر لعودته. وكيف كانت تصمّم على أن تبدو له، في حال رجوعه، على أفضل حال. كانت تريد أن تعوّض عليه ما يمكن أن يكون تعرَّض له من إهانات أو تعذيب أو حتّى من إذلال السجن وحسب. تتخيّله عائداً بلحية مهملة وشعر طويل لم تُتَح له فرصة العناية بهما في سجنه، وتفترض أنّه سيكون بأمسّ الحاجة إلى الاستحمام، هو الحريص على نظافته وأناقته. ترى نفسها وهي تساعده على ذلك، ثمّ تعدّ له الطعام والكأس، ثمّ عندما يخلو لهما الجوّ، بعد انفضاض مجلس الزوّار المهنّئين بالسلامة، تجلس بقربه، تجعله يستلقي على الكنبة الطويلة في غرفة الجلوس أو على السرير في غرفة النوم، ورأسه في حضنها، تمرّ بيدها على شعره ووجهه وكتفيه وصدره، تأخذ خدّيه وذقنه بجمع كفَّيها، تنحني عليه، تقبّله. تتفحّص جسمه من آثار أيّ أذىً أو تعذيب. تُسمِعه الكلمات الجميلة العذبة تُداوي بها جراحات نفسه العميقة، قبل أن تأوي معه إلى فراشهما وترتمي هي على صدره، باكية من فرحٍ أو من قهرٍ، لا تدري. تُفرّغ من قلبها كلّ ما عانته بدورها من قلق الانتظار.