تدور الأحداث في الفسطاط عام 464 هجريًّا، فات على الدولة سبع سنوات كسِنِي يوسف إن لم تكن أشدَّ؛ فقد نَقُصَ النيل حتى بارت الأرض، وشَحَّ القوتُ؛ فانتشرت الأوبئة. فأخذ الموت يلتهم الناسَ بالآلاف يوميًّا، يسلبهم أرواحَهم، دون التفريق بين أسياد وعبيدٍ، أغنياء وفقراء، ولم يكن للناس إلَّا أن يُسلِموا أنفسهم إليه، ضُعَفاء، مَعدومي الحيلة. فلم يَكُن الجوعُ وحده هو مَصدرَ هَمِّهم؛ فقد اشتدَّ النِّزاعُ الدمويُّ بين طوائف الجُند الذين جَلَبهم الخُلَفاءُ الفاطميون من شتَّى الأجناس وجلعوا منهم قوامَ الجيش، أمَّا الوزراء ورجال الدولة فقد استغلُّوا هذا النزاع، وأشعلوا الفِتَن؛ طَمَعًا في السُّلطة؛ فأصبحت القاهرة والفسطاط بمثابة أرضٍ مَعزولة عن أيِّ قوتٍ ونعيم، يحيطها الجنود المتصارعون من كل جانب، حاجِبين عنها أيَّ إمدادٍ خارجي، ناهِبين ما تبقَّى من موارد.