"تطوي السيارة الطريق نحو ساحة القصاص فينظر إلى الغيم في كبد سماء تخاتله الشمس، وتنساب في روحه رائحة رغيف بالصعتر كان يشتمُّها في صباحات الطفولة المندثرة من مخبز لبناني قرب بيتهم القديم. تملأ رائحة خبز الصعتر الساخن ومذاقه صدره. يشتهيه بشغف. تنحدر دموعه وهو يشعر أن الوقت انتهى على ارتكاب متعة كهذه، وأن لا حقيقة أكبر من اللحظة الآنية التي تغوص بأسياخها في دماء زمنه. يبتلع ريقه ويغوص في الزرقة الغائمة كما قلبه وقد تناءت أسراب العصافير الحانية عن أفقه. يراوده الزمن المُشتهى، فتهب رائحة زيت أمه وقد أغرقت فيه كريات "اللقيمات والسمبوسة" قبل لحظات من مدفع الإفطار في رمضان. رائحة اللقيمات والسمبوسة تملأ روحه. لكن الوقت أزف، وما عاد هناك متّسع لتعاطي متعة بريئة كهذه وقد حانت ساعة المغيب المرتقبة، تعلو ملامحه امتعاضة جريحة تشبه شيئاً ما في داخله."سلام عبد العزيز كاتبة وصحافية سعودية ومشرفة في الإدارة العامّة للتربية والتعليم في السعودية. صدر لها عن دار الساقي: "دحرجة الغبار"، "العتمة".