" "كلَّما ابتعد الباص شمالًا؛ كلَّما زادت رَتابة المباني، والشوارع، والناس. متاجر رخيصة تبيع الملابس، والأثاث، وأدوات المطبخ: ’شروط مُيسَّرة، الدفع على عشرة شهور!‘ تزداد عتمة المقاهي، تصير الشوارع أضيقَ وأكثر صخبًا، ويشغل الأرصفة المزيد والمزيد من الأطفال. وقف رجالٌ عاطلون عن العمل، بلا شيء يفعلونه، ولا مكان يذهبون إليه، في مجموعات متجهِّمة، لا جدوى منها، على نواصي الشوارع. دوَّت الموسيقى العربية من المقاهي المظلمة، أو من النوافذ المفتوحة لفنادق كئيبة. ثم فجأة، صارت الشرطة في كل مكان، تراقب الشوارع، العيون تتنقَّل بوقاحة من وجه إلى وجه، الرشَّاشات تتدلَّى من أكتافهم. إنها مثل هارلم، فكَّر سميان، سوى أن هناك رجال شرطة أقلُّ في هارلم، لكن ربما يحدث هذا أيضًا ذات يوم. مثل هارلم ومثل كل مَعازِل العالَم. كان للرجال الذين رآهم عبر نافذة الباص بَشرة...