منذ أقدم العهود ، منذ كان سقراط ، وأرسطو ، هيغل وفيورباخ والمعاينات الانثروبولوجية تصاحب الإنسان على الدوام ، و تترصد (بإخلاص شديد) حركاته ، وأفعاله ، وأفكاره ، وحتى أوهامه كيما تعمق الحياة العيانية له ، وتحميه من " النسيان " تفكر به ، تَضعْ تفصيلات حياته اليومية تحت ضوء مستمر كاشفة عن خيره وشره ، حزنه وسعادته ، جراحه التي لا تندمل ؛ لإن العلم الذي لا يكتشف جزءاً من الوجود لم يزلْ مجهولاً لا يستحق أن يبقى على قيد الحياة ، وأنا على يقين تام أن الانثروبولوجيا على وجه خاص مازالت تمتلك حق البقاء على قيد الحياة ، واكتشافها لمساحات كبيرة من قاع عميق كان لا يزال مجهولاً من الكينونة البشرية وطبيعة وجودها في هذا العالم . دليل مهم على ذلك . إنّ اكتشاف الانثروبولوجيا لما يمكنها وحدها أن تكتشفه (دون سواها) هو ذا ما يبرر وجودها ، والمصورات الانثروبولوجية بحكاياتها المرفقة مع فصول هذا الكتاب جاءت لتؤكد هذه الحقيقة ، ولتُجزِم على حقيقة أساسية أخرى: أن (الصورة) هي أول محاولة بشرية للامساك الذهني بحركة العالم فضلا عن أنها محاولات هؤلاء البشر لإعادة بناء العالم على وفق تخيلات محض انثروبوسيه ..