في الوقت الذي أحسب فيه عبادة العقائد، او الانبهار بمعتقدات الذات، من أخطر مصاديق الوثنية، لا أميل إطلاقا الى تحوّل عقدي لاتباركه الأدلّة والبراهين، تحوّل ينبع من صرف التعبد، أو التقليد، او الانخراط في دوامة روح العصر، أو الضعف أمام موضات الفكر المتوالدة، او الانجراف إلى مهاوي الرأي العام، او الذوبان في الجماعة. إذ أعتقد أن إنسانية الإنسان رهن إخلاصه للدليل، والعيش على أساس معطيات العقل والوجدان. ما أبتغيه من "العقلانية"، في عبارة الجمع بين "العقلانية والمعنوية"، ليس سوى هذه التبعية الصادقة للعقل والوجدان، ومطالبة الدليل من كل من يتقبل مطالبتنا بالدليل، فبمقدار ما يفارق العقل مسرح حياتنا، يتسع المجال لأغوال: الزيف، والعنف. على امتداد تاريخه وجغرافيته، حيثما لم يراع الإنسان حرمة العقل ، ولم يعره ما يستحقه من اهتمام، فقد أضحى مجتمعه ساحة لفئتين...