... وأخذ يفكّر في أيّامه التي كانت تتتابع فارغة، رتيبة، مملّة. يقرأ، يستمع إلى الموسيقى، يشاهد التلفزيون، إلّا أنّ هذه كلّها لم تحلّ محلّ إنسان حيّ. إنسانٌ يكلّمه، يوافقه أو يخالفه، إنسانٌ يخترق صوته الصمت المطبق حوله، يشعره أنّه إنسان وليس قطعة أثاث لا حياة فيها ولا تشتاق إلى حياة. فجأة خطر له: لماذا لا يسأل عنها رفقاءهما القدامى؟ ولكن، إذا عثر عليها فهل تكون هي مستعدّة لمقابلته بعد هذه السنوات كلّها؟ ألم تكن هي مَن قالت إنّ لكلمة إنسان علاقة بالنسيان؟ لم ينسَها، إلّا أنّه تناساها بعد ما حصل، وهذا أفظع. المرء ليس دائماً مسؤولاً عمّا ينساه، قد تكون للنسيان عدّة أسباب سواء وعاها المرء أم لا. أمّا التناسي فيكون بملء إرادته ووعيه. وخزته ذكريات ماضيه، ووخزه ضميره.