البئر الأولى بئر الطفولة. إنّها تلك البئر التي تجمّعتْ فيها أولى التجارب والرؤى والأصوات؛ أولى الأفراح والأحزان والأشواق والمخاوف التي تنهمر على الطفل، فأخذ إدراكُه يتزايد ووعيه يتصاعد لما يمرّ به كلِّ يوم، ويعانيه بعذابٍ أو يتلذّذ به. يتابع المؤلّف طفولته منذ وعيه الأوّل في سنّ الخامسة حتى يكمل السنة الثانية عشرة من عمره، ويستمرّ باستقصاء هذه الكينونة، التي تتنامى مع الأيّام وعيًا ومعرفةً وعاطفة، وهي تحيا براءتَها وتتشبّث بها، بينما البراءة تزايلها. وهذه الكينونة إنّما هي جزءٌ من محيطها: إنّها بعض بيوت تلك البلدة الفلسطينيّة الصغيرة "بيت لحم" في العشرينات من القرن الماضي، وقد دأبتْ تستيقظ تاريخيًّا مرّة أخرى بعد السُّبات العثمانيّ الطويل؛ وهي بعضُ تلك الأشجار والوديان والتلال، بعضُ الشموس والأمطار والوجوه والأصوات التي بها تحيا، وبها تكتشف القيم والجمال والفرح والبؤس جميعًا.