منذ القصة الأولى يرسم الظفيري لوحته التي لا تخلو من التفاصيل، تفاصيل تجعل الأبيض يتوحش وهو يعكس ملامح شخصيات تعبر الأمكنة بألم مقيم، وحقائب لا تقل ثقلاً عن هموم وهواجس أصحابها. أبيضٌ يعود كخلفيةٍ لذاكرةٍ لا تسعف الغرباء في محاولاتهم المتكرِّرة للنّسيان، نسيان ماضيهم، وما تركوا وراءهم من أحلامٍ صغيرة تعود بطرقٍ أكثر وحشيةٍ، معلنةً تمرُّدها على أمكنةٍ مهشَّمة كما يصفها الظفيري وأزمنة متوقفة تماماً، ولا تهمُّ بعد ذلك لا الأسماء ولا منطق الأشياء وهي تتدحرج بين مدن بعيدة وعواصم باردة، ومطارات أشدّ قسوة.
الحرب التي اشتعلت بداية تسعينيات القرن الماضي، لا تعود كذكرى مؤلمة فحسب، إنما يمكن ملامسة ما خلَّفته من خراب، بشكلٍ حيٍّ ومرعب من خلال القصص التي كتبها ناصر الظفيري آنذاك وتمتد مع قصصٍ أخرى حديثة على مدار 112 صفحة. ليصبح البعد الزمني "ما قبل وما بعد" تعبيراً عن حياة تتشظَّى، في لعبة الموت والدّم، والذاكرة والنسيان، وفي كلِّ ما يحيل هذا الأبيض إلى التوحش.