منذ القصة الأولى تدعونا رشا عبّاس إلى وليمة حربٍ، تبدأ برأس مقطوعة في أصيص أنيق ولا تنتهي بأخبار الحرب والطاعون قبل المرور عبر "شاطئ يحملك إلى الفردوس من دون تذكرة"، في محاكاةٍ ساخرة ومؤلمة في آن لما يجري وجرى. هنا نلتقي بأشخاصٍ يعيشون في مدنٍ تحت القصف، نلتقط التفاصيل الدموية التي لا منجاة منها، وإن كُنَّا في منأى عمَّا يحدث هناك، حيث المسافات لا تحمي اللاجئ من اختبار الألم والسقوط في فخِّ الذاكرة.
رشا عباس ترى الأشياء عن قرب، تتفحَّصها بعينين تنقلان صور الخراب، ومآسي المدن البعيدة الباردة، بلغةٍ سردية أنيقةٍ لم تفقد بريقها عبر ثمان عشرة قصة وهي ترسم ملامح أشخاص نعرفهم، لا تهمُّنا أسماؤهم، بقدر ما نمضي معهم في طريق الخلاص الإنساني بعيد المنال. تحدِّثنا عبّاس عن أخيها، عن أمِّها، عن أصدقائها، عن تجارب حقيقية لمن مسَّهم الجنون قبل أن تصيبهم القذائف.