ما يَزيدُ مِن قَسوَةِ زَمَنِ الطُّفولَةِ: عَدَمُ الفَهمِ... كُنتُ أَشعُرُ بالاضطِرابِ والخَوفِ والتَّعاسَةِ دونَ أَمَلٍ في تَفسيرِ مَرَضي؛ فالقائِمُ على تَفسيرِ الغامِضِ مِن الأُمورِ هُو سَبَبُ الغُموض. أَذكُرُ لَياليَ طَويلَةً كُنتُ أَشعُرُ بِخَوفٍ وحُزنٍ يَجتاحُني دونَ سَبَبٍ أَو مُبَرِّرٍ، وكان ذَلِك يَمنَعُني مِن تَناوُلِ الطَّعامِ تَمامًا، ووَقتَها كان يَشعُرُ بالجُنونِ، حَتَّى أَنَّه كانَ يَأخُذُ سَيَّارَةً خاصَّةً وَيذهَبُ بي إلى النِّيلِ، ويُحاوِلُ أَنْ يُلَطِّفَ عَليَّ الأُمورَ لأَتناوَلَ الطَّعامَ. وفي بَعضِ تِلكَ الأَوقاتِ لَم تَكُن أُمِّي لِتَلَحقَ بنا مِن الأَساسِ. وفي أَوقاتِ مَرَضي... كان يَتحَوَّلُ إلى إنسانٍ آخَرَ؛ مَخلوقٍ ضَعيفٍ، تَنتابُهُ نَوباتٌ هِيستيريَّةٌ مِن البُكاءِ، وكان شَيئًا يَدفَعُنى لمُواصَلَةِ التَّظاهُرِ بالمَرَضِ حتَّى بَعدَ تَعافِيَّ مِنْهُ.