يَكفي قَليلٌ من النَّظَرِ للعِلْمِ بأنَّ مِن الممتَنِعِ أَنْ تَنموَ الفَلسَفةُ بِذاتِها وحدها. من البَديهيِّ أنَّ جميعَ عَناصِرِالعَقلِ يَجِبُ أَن تَبلُغَ نَماءَها قَبلَ التَّأَمُّلِ؛ لأنَّ التَّأمُّلَ المرَتَّبَ عَلى نَمَطٍ مُعيَّنٍ لا يَظهَرُ إلَّا مُتَأخِّرًا وبَعدَ سائِرِ الملَكاتِ الأُخرى. ولَيس بي حاجَةٌ إِلى التَّبَسُّطِ في بَيانِ هَذِهِ الحَقيقَةِ المشاهَدَةِ في الأُمَمِ وفي الأَفرادِ عَلى السَّواءِ، وأَقتَصِرُ على أَنْ أُقَرِّرَ أَنَّ مَجرَى الأُمور في آسيا الصُّغرى لم يَكُن مُختَلِفًا عنه في غَيرِها؛ فإنَّ الفَلسَفَةَ على هَذِه الأَرضِ المخْصِبَةِ لم تَكُن نَبتًا مُنفَرِدًا ولا ثَمَرةً غيرَ مُنتَظَرَة. وقليلٌ من الكَلماتِ يَكفي في التَّذكير بأنَّها كانَت هي المنطَقَة المهيَّأَةَ لِهذا الإنتاجِ الشَّريفِ. إكسينوفان لَمَّا رأى ذاتَ يَومٍ كَلبًا يَضرِبُه بالسَّوْطِ صاحِبُه أَخَذَته الشَّفَقَةُ بِهَذا الكائِنِ الشَّقِيِّ، فقالَ: لا تَضرِبْ... تِلكَ هِيَ روحُ صَديقٍ تَعَرَّفتُه بِسَماعِ صراخِه.