لا نَقصِدُ بِهَذا الكِتابِ تَأريخًا للحَرَكَةِ الوَطَنيَّةِ المِصريَّةِ؛ فَهذِهِ مَهَمَّةٌ لا يَستَطيعُ الاضطِلاعَ بِها فَردٌ واحِدٌ، وإنَّما يَكتَفي هَذا الكِتابُ بِدِراسَةِ المعالِمِ الرَّئيسيَّةِ للحَرَكَةِ الوَطَنيَّةِ، في تَطَوُّرِها، مُنذُ 1882 إلى يَومِنا هذا (1956). ولَنا مَنهَجٌ واضِحٌ في هَذِه الدِّراسَةِ، مَنهَجٌ عِلميٌّ قَوامُه أَنَّ تاريخَ التَّطَوُّرِ الاجتِماعيِّ هُوَ -أَوَّلًا، وقَبلَ كُلِّ شَيء- تاريخُ الشُّعوبِ، وأنَّ التَّاريخَ لا يُمكِنُ أَنْ يَكونَ عِلمًا حَقًّا إذا قَصَرَ نَفسَهُ عَلَى دِراسَةِ أَعمالِ المُلوكِ وقُوَّادِ الجُيوشِ، وأَخبارِ الغُزاةِ، وتَفاصيلِ المُفاوَضاتِ والمُعاهَدات. نَعَم، إنَّ للزُّعَماءِ والقادَةِ دَورَهُم في التَّاريخِ، ولَكِنَّهم لا يَستَطيعونَ أَنْ يَلعَبوا هَذا الدَّوْرَ إِلَّا بِمِقدارِ ما يُمَثِّلون...